أخذت الشمس تميل نحو الغروب وابتدى قرصها الدامي في الأختفاء خلف المرتفعات الغريبه لمدينة الأحزان واخذ الهدوء والسكينه يسيطران على ذلك الجزء من المقبره الغريبه حيث اخذ آخر المواكب في مغادرتها والأبتعاد عنها..
وكانت عيناي تتابعان في حزنٍ ولوعه هذه الأفواج المغادره وطفلٌ وطفله أمتدت إليهما يدٌ قاسيه لتفرق بينهما وتنتزعهما من ذلك المكان أنتزاعاً، وعند ذلك آخذت صور الماضي تتجسد أمام ناظري ورجعت بي الى عالم صغري ،
وعندما كنت صغيراً وكانت للمواسم والأعياد أهميتها خصوصاً ونحن نحمل (الماء وجذور الصبار) في بكرة الصباح للمدافن وهناك كنا نضعها على القبور أعتقاداً منا أنها تخفف عن أصحابها حرارة الشمس وترطب أجسادهم.....
وكانت ( ريم) تحمل ما أحمله أنا وأخوتي...............
كانت طفله صغيره جميله بريئه خفيفة الحركه نشطه وكنت أشعر تجاهها شعور الطفل بالطفل الذي يلهو معه....
وكنت لا ألتقي بها إلا نادراً ، حيث كان والدها يمنعها من الخروج إلا مع والدتها مع انها لم تبلع العاشره من عمرها بعد...
كان ولدها عندما يراها تلهو وتلعب معي ومع أبن عمها ( سالم ) ينهرها ويضربها وكانت والدتها تنتهج نفس منهاج والدها
لذلك نشأت ( ريم) ساكنه ساذجه ... لا تتكلم إلا نادراً وإذا تكلمت فغالباً ما تتوقف قبل أن تكمل حديثها...
ولقد توالت الأيام واللحظات وأصبحت طالباً بالأعداديه ، فكبرت ( ريم ) كذلك لم تواصل دراستها بعد الأبتدائيه...
كنت أتوقع ذلك وقد اصبحت ريم تترعرع ويبدو عليها ملامح الأنثى الناضحه أن يمنعها والدها من الذهاب الى المدرسه وهذه عاده سيئه نعاني منها نحن أهل الباديه ( البدو) ولم يكتفي والدها بمنعها من الخروج فقط وإنما فرض عليها الأسدال وهو جلباب تلبسه المرأه لا يظهر منها شئ (الزي الأسلامي طبعاً)..........
ومرت اللحظات والأيام والسنين وكنا نتقابل نادراً لكنها بلا شك كانت من أجمل لحظات حياتي التي أقضيها برفقتها...
كنا في أغلب الأحيان نتقابل ونحن نزور المقابر في الأعياد وهذه كانت عاده سائده عند أهل الباديه ( البدو سكان الصحراء)
أيضاً عند رجوعي من المدرسه كنت أذهب من الطريق الذي يمر بي من عند بيتها لأرى ولو نظره من عينيها ولكن للأسف كانت كل محاولاتي تبوء بالفشل لأن والد ريم أكتشف أمري فبات ينتظرني كل يوم ويوجه لي اللعان ويسبني وينهرني ويقول لي بغلظه ( لماذا تأتي من هنا وهذا الطريق يبعد بكيلو مترات عن منزلكم لماذا؟ )كنت أجاوب عليه ( بالصمت)
وأقول في نفسي والله الكيلو مترات التي تقول عنها لا تساوي في نظر سنتمترات لو أنني رأيت (ريم) ولكنها كل يوم تصبح أميالاً برؤيتي لك..............
وفي يوم لم أنساه عدت من المدرسه وجدت ريم أمام منزلها ولم أجد والدها فتعجبت وزادت حيرتي من نظرات الشفقه التي كانت ترميها لي (ريم ) بعيناها البريئتان فذهبت اليها ولكنني لم أكمل الخطوات حتي ظهرت والدتها ونهرتها وأمرتها أن تدخل بالداخل.....
فذهبت الى المنزل ولكن حيرتي لم تزل إذ أنني وجدت والد ريم بالمنزل عندنا وزاد من حيرتي أكثر وأكثر المعامله التي عاملني بها والد ريم معامله رقيقه فيها حنو وحنان ورقه تعجبت لها فكيف وهذا الرجل الذي طالما عاملني بقسوه ووحشيه وغلظه أن يعاملني بهذه المعامله......
فدفعني ضولي الى الدخول بالمنزل فوجدت جمع غفير من العجائز والنسوه بجوار غرفة والدتي فأندفعت بشده نحو سرير أمي وقد كنت تركتها قبل ذهابي الى المدرسه تعاني بعض من وعكه صحيه.....
وأكتشفت انها فارقت الحياه فأرتميت على صدرها أقبلها ودمعي صارت المياه التي تغسلها ولم أشعر بنفسي غلا وانا على سرير في مستشفي المدينه فصرخت وأنا أقول ماتت يا والي أمي ماتت ..
ومضت الأيام وأعقبتها أيام أخرى وخرجت من المستشفى وكلي أمل أن لا يفوتني أمتحان الأعدايه وكان هذا مراد والدتي أن أتخرج وأكون شخص له مكانته في المجتمع..... وبفضل الله انهيت الأمتحالن ونجحت وبتفوق...
وذهبت الى الدراسه في مدينه مجاوره لان مدينتنا مدينة الاحزان لم يكن بها مدرسه للثانويه وبالتالي أفترقت أنا و(ريم ) ولكن طيفها لم يغيب عني ولو للحظه ..... وأنهيت الدراسه الثانويه وكعادتنا زواج الأبناء المبكر فأرسل لي والي يريد أن يزوجني
طبعاً كنت أخجل منه لم يكلمني بالامر بنفسه ولكنه أرسل لي عمتي فقلت لها هذا اليوم المنتظر فطلبت منها ان تقول له انني أوافق ولكن أن تكون (ريم ) هي عروسة المستقبل فلم يمانع والدي وذهب في اليوم التالي الى والد ( ريم ) ليطلب يد أبنته 0 ريم) لي وقد كنت أتجول بجوار منزلها لأن صبري لم يمهلني حتي يرجع والدي ولكن أخذ بي الى حيث تكون (ريم) ومن رحمة الاقدار أنني رأيتها وهي تحضر الطعام الى الأغنام فرأيت فتاه فاتنه غير ذي قبل ترعرعت ونشأت في حسن وبهاء لم أراها عليه من قبل فأشرت لها بالتحيه وأنا متخفي فردت هي التحيه وذهبت مسرعه الى الداخل من الخجل.....
وكان والدي يتحدث مع والد ريم بالداخل فخرج والدي بوجه حزين شاح فأنطلقت نحوه وقلت له ما الأخبار يا أبي ماذا قال لك والد ( ريم )؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ..........
فقلت أبي ألم يوافق والد ريم ؟ هل رفضني؟ ماذا بك يا ابي تكلم......
فأجابني والدي بكلمات قليله قال لي كل شئ قسمه ونصيب...وهناك الكثير من البنات أختر ما تشاء منهن وانا أذهب لخطبتها لك
فقلت في ثوره والدها لم يوافق يا أبي ولكن والدي قاطعني وهو يقول لا تظلم الرجل يا ولدي فأبن عمها ( سالم) طلبها قبلك وأبن العم أولى منك بها ( وكانت أيضاً من العادات السيئه عندنا ابن العم يطلب وكأنه يأمر)...
وتذكرت أيام طفولتنا عندما كنا صغاراً نلهو ونلعب أنا وهي وأبن عمها فحقدت على أبوها وعلى سالم أبن عمها
فأندفعت الى حقيبتي ووضعت بداخلها ملابسي دون ان ارتبها وأنا أردد خطبها ابن عمها خطبها ابن عمها...
وذهبت دون أن أودع والدي ولا أخوتي وخرجت الى الطريق وأنا أكره هذه البلده التي لم أرى فيها سوى أحزاني..
بينما أنا أمر من أمام منزل ( ريم ) علني اراها ولو للحظه أخيره أمتع بها نظري إذ بقدمي تتيبس وتتحجر أمام منزلها من هول ما رايت جمعٌ غفير من الناس ورأيت عبد الحليم أخ ( ريم) (والعبره تخنقه) فناديت عليه بصوت عالي عبد الحليم ما بك لماذا هذا الجمع ولماذا كل هذا البكاء........ فهرول اليّ مسرعاً وأرتمى بين أحضاني وهو يقول ماتت يا خالد ماتت ياخالد
( وأنا أصرخ في وجهه وأسأله من الذي ماتت من من من قل يا عبد الحليم .........
فجاوبني وليته لم يجاوبني صعقني بالأجابه( قال ريم التي ماتت0 لم تحتمل ان يزوجوها بهذا الشخص الجاهل العاطل الذي طالما كانت تكرهه منذ كنا أطفالاً..........
أسرعت نحو منزلها وأنا أريد أن آراها وهذه في حد ذاته قمة الجنون فقابلت والدها وأبن عمها فوجهت لهم التهام واللعان والضربات أيضاً ......
وأنتهى بي الحال الى قسم الشرطه ومراعاةً منهم لحالتي تركوني مع اخذ تعهد عليّ بعدم التعرض لأاحدهم.....
منذ ذلك التاريخ وأنا أمر كل يوم الى هنا أزور قبر أمي وقبر أم مشارعي ( ريم)...........
وفي ذلك أقول هذه الأبيات علّ ريم تسمعني وتلبي ندائي.....
تجولت بين القبور منكسر
وصور الماضي تتجسد أمام النظر
فتذكرتها وكأهنا أمامي
وكأن سنين عمرنا لم تمر
تذكرتها وأيام طفولتنا
ومولد هوانا في الصغر
وقد كنا نربيه حبا" صغيرا"
نشأ بيننا وكبر
كنا نستنشق معه نسيم بحرنا الدافئ
ونرتوي بعذب قطراة المطر
عشناها طفولة"بريئه
في صحراءٍ ألقى بنا القدر
كانت وكأنها روضة" خضراء
تحتضن هوانا والزهر
تحتضنه في مهده_ حتى شبا
واكتمل بعد ان كان هلال" قمر
آن لمشاعر حبنا أن تتفتح
وترتوي من ندى العشاق العطر
آن أن تخرج من مخبأها
وتودع بضوء النهار ظلمة السحر
تودع غموض الأحاسيس
وذاك الخوف القذر
ودعنا خوفنا ونشرناها في العلن
مشاعر حبنا الطاهر العفيف النضر
حب" برئ" تعانقت فيه ارواحنا
وباتت أعضائنا خجلا" من بعضها تستتر
كنا والتلامس أعداء"
رغم تعانق الأحسيس والأنفاس والنظر
كانت وكأنها وردة" رقيقه
أخاف أمسها أجرحها أخاف شعورها ينكسر
كنت أصنع من حناني الدافئ غطائها
وأرويها بقطراةٍ فاضت بها العبر
كنت أبكي أذا بكت
وأذا ضحكت أسر
كنت أعتل اذا أعتلت
وأسهر لو أرقها السهر
في يومٍ كئيبٍ ناداني طيفها
أفزعني أسرعت نحو ديارها أختبر
رأيت غبارا" وسمعت عويلا"
أحسست حين ذاك بالخطر
سألت وليتني لم أسل
أختطفها الموت وبي غدر
ماتت وماتت معها أحاسيسي
الى جوار قبرها أنتظر
منقوووووووووووووول
رفيعة الشــــــــــــــــــــــان
موضوع: ذكريات بين القبور 
الإثنين مايو 28, 2007 12:27 am
